مساق كانت فكرة بسيطة لما وُلدت لأول مرة في عام 2015، ولكنها كانت مختلفة تمامًا عن الشكل الذي أصبحت عليه لاحقًا. كان الهدف الأساسي وقتها أن تكون مساق منصة لتقديم دورات تدريبية نقوم نحن بإعدادها. ولكن في ذلك الوقت لم يكن هناك دافع كافٍ للاستمرار في العمل على الفكرة، فقررنا تأجيلها إلى وقت لاحق.

مع بداية عام 2020، تغيّر كل شيء. العالم بأسره انتقل إلى العمل والتعليم عبر الإنترنت. وهنا كان السؤال: لماذا لا نمكّن مساق لتكون منصة للأفراد تمكّنهم من إنشاء منصاتهم الرقمية الخاصة وتقديم الدورات التي يريدونها؟ خلال وقت قصير جدًا، قمنا بتعديل الكود لجعلها مزود خدمة (SaaS). كانت النسخة الأولى بدائية جدًا لدرجة أن أي شخص يريد التسجيل كان عليه ملء نموذج Google Forms بمعلومات منصته، ثم كنا ندخل هذه المعلومات يدويًا في قاعدة البيانات. كل ما أردناه حينها هو إطلاق مساق وتجربة الفكرة لمعرفة ما إذا كانت ستنجح.

ما زلت أذكر تلك اللحظات التي كنا ننتظر فيها أول عميل بشوق وترقّب. وعندما حصلنا على أول عميلين أو ثلاثة، بدأنا العمل الفعلي. في ذلك الوقت، كان الفريق يتكون من ثلاثة أشخاص فقط. كنا نعمل بجهد كبير لنواكب التطورات المطلوبة. لم تكن لدينا رؤية واضحة؛ كان هدفنا ببساطة تطوير الميزات التي يطلبها العملاء لتلبية احتياجاتهم. لم يكن هناك ميزانية كبيرة للقيام بأي شيء مميز، وكان التصميم يعتمد على قالب بقيمة 50 دولارًا. وكلما احتجنا إلى ميزة جديدة ولم يكن لدينا تصميم محدد لها، كنا نرتجل شيئًا كيفما اتفقنا.

استمر هذا الوضع حتى عام 2022. في ذلك العام، انضم إلى الفريق أول شخص إضافي، فأصبح عددنا أربعة. ومع ذلك، كنا نعمل بنفس الاستراتيجية: الارتجال والتجربة. كان مبرمج الباك-إند يبتكر تصميمًا من رأسه إذا لم يكن هناك تصميم جاهز، ثم يأتي مبرمج الفرونت-إند ويعدل عليه حسب رؤيته، فننتهي بمنتج يختلف في تصميمه مع كل ميزة جديدة.

لكن عام 2022 كان نقطة تحول كبيرة لمساق. خلال هذا العام، توسّع الفريق بشكل ملحوظ. انضم إلينا أشخاص رائعون بكل معنى الكلمة، وبدأت الرؤية تتضح شيئًا فشيئًا. والأهم من ذلك، أصبح لدينا مصمم متخصص يوجهنا حول ما يجب فعله بدلًا من التخبط السابق. قمنا بإعادة بناء هوية مساق بالكامل، وأنشأنا نظام التصميم الخاص بنا. كان لدينا فريق قوي يعمل بجهد على تطوير مساق، ووضعنا هدفًا جديدًا: أن تكون مساق أفضل منتج عربي موجود.

السر الأكبر في نجاح مساق كان المرونة التي اعتمدناها منذ البداية. عندما كنا نقوم بتنفيذ أي ميزة يطلبها العميل، حتى لو كانت صغيرة أو مخصصة جدًا، لم ندرك حينها أن هذه المرونة ستصبح أحد أعظم أصولنا. فقد ساعدتنا هذه الطريقة في بناء منتج شامل يحتوي على جميع الميزات التي قد تحتاجها أي مؤسسة تعليمية كبيرة. هذه الخبرة التي اكتسبناها في المراحل الأولى، حيث كنا نعمل على “الطلب“، أصبحت اليوم أساسًا قويًا للتوجه الجديد.

اليوم، لم تعد مساق مجرد مزود خدمة للأفراد. نحن الآن نقدم حلولًا شاملة ومتكاملة للمؤسسات التعليمية الكبيرة، بما في ذلك جامعات ومؤسسات ضخمة. هذا التحوّل لم يكن فقط في حجم العملاء الذين نتعامل معهم، ولكنه أيضًا في طبيعة الحلول التي نقدمها. أصبحنا نفكر بشكل أكبر، ونعمل على توفير منتج يمكن أن يخدم احتياجات معقدة ومتكاملة.

تعلمنا الكثير من أخطائنا في الماضي، وبنينا خبرة كبيرة. أصبح الفريق الذي يعمل خلف مساق من أهم عوامل نجاحها؛ فريق يتشارك همًّا واحدًا: تغيير مفهوم التعليم في المنطقة العربية. في هذه المرحلة، بدأنا بتبنّي ثقافة التحسين المستمر والعمل على تقديم منتجات عالية الجودة كجزء من هوية مساق.

مؤخرًا، سألنا أنفسنا سؤالًا مهمًا: نحن في مساق لدينا منتج رائع وفريق مذهل قادر على تحقيق المستحيل، فكيف يمكننا تحسين المنتج وتطويره لتحقيق رؤيتنا؟ كان لهذا السؤال تأثير كبير على طريقة تفكيرنا كفريق وعلى أسلوب عملنا. لقد بدأنا نعمل بحماس مضاعف لنصل إلى الهدف الأكبر: أن تكون مساق أفضل منصة عربية وأن نغير طريقة التعليم في الوطن العربي.

القصة لم تنتهِ بعد، وما زال أمامنا الكثير لتحقيقه. ولكن إذا كان هناك شيء واحد تعلمناه، فهو أن الحلم لا يصبح حقيقة إلا بالعمل الجاد والشغف المستمر. ونحن في مساق، نحلم بتغيير العالم العربي، خطوة بخطوة.

كانت البداية بمشروع بسيط للغاية يخدم الأفراد، وكانت الإمكانيات محدودة والمنتج بسيطًا جدًا. ومع ذلك، بفضل المرونة التي تبنيناها في عملنا منذ اليوم الأول، حيث كنا ننفذ أي ميزة يطلبها العملاء مهما كانت صغيرة أو مخصصة، استطعنا بناء أساس قوي. هذه المرونة، إلى جانب الخبرة التي اكتسبناها خلال المراحل الأولى، لعبت دورًا محوريًا في وصولنا إلى ما نحن عليه اليوم.

اليوم، تحولت مساق إلى منصة تقدم حلولًا متكاملة تخدم مؤسسات تعليمية كبرى، بما في ذلك الجامعات والمراكز الضخمة. إن التغير الذي شهدناه لم يكن فقط في حجم عملائنا، بل أيضًا في طبيعة الخدمات التي نقدمها. تعلمت من هذه الرحلة أن النجاح لا يتطلب دائمًا رؤية واضحة منذ البداية، ولكن يتطلب شغفًا، مرونة، واستعدادًا للتعلم من الأخطاء. هذا الدرس هو ما يجعلني أؤمن بأن مساق ليست مجرد مشروع، بل رؤية قادرة على إحداث تغيير حقيقي في مجال التعليم العربي.