ما هي نظرية التعلم الاجتماعي لباندورا وكيف يمكنك استغلالها في تعليم طلّابك؟

هل تتذكر كيف تعلّمت ركوب الدراجة؟ كيف تعلّمت حل مشاكل الجمع البسيطة مع القراءة والكتابة؟ إن جميع السلوكيات والمهارات التي اكتسبناها في مرحلة الطفولة كانت نتيجة مشاهدة ومراقبة أشخاص آخرين يركبون درّاجاتهم، ويحلّون مسائل الجمع، ويمارسون النشاطات الأخرى التي جذبت ملاحظاتنا. لقد قادنا الانتباه في تلك الفترة للوصول إلى “التعلم الاجتماعي”، هذا ما كان يعتقده عالم النفس الاجتماعي ألبرت باندورا.

نظرية التعلم الاجتماعي لألبرت باندورا

ألبرت باندورا

ألبرت باندورا، عالم النفس الكندي الذي اقترح نظرية “التعلم الاجتماعي” سنة 1977، والتي أكّدت على أهمية النمذجة ومراقبة السلوكيات وردود الفعل العاطفية والتقليد والمواقف العفوية للآخرين، ليس هذا فقط، حيث تدرس نظرية التعلم الاجتماعي كيفية تأثير العوامل المعرفية والبيئية على سلوك الإنسان وتعلّمه.

إن نظريات التعلم الاجتماعي السلوكية استندت على فكرة تأثّر الفرد بالتكيف مع البيئة المحيطة، ولم ينفي باندورا ذلك في نظريته، بل اتفق معها وأضاف فكرتين هامتين:

أولًا: إن عمليات الوساطة تحدث بين اتجاهين

  1. الاستجابات: مثل تقليد سلوك معين، والتنبيهات: مثل التصرفات التي تتم ملاحظتها لدى المحيط.
  2. يتم اكتساب السلوكيات من البيئة المحيطة من طريق التعلّم بالملاحظة.

ثانيًا: لم يعتقد باندورا أن الملاحظة وحدها كافية لتحقيق أهداف التعلم

فالحالة العقلية والدوافع الشخصية هي المؤثّر الأكبر برأيه، كما اتفق مع الباحثين السلوكيين الذين أقرّوا أن التعزيز الخارجي يؤثّر إيجابًا في التعلّم.

على سبيل المثال: قد يرغب الطالب بتعلّم شيء جديد بفضل الشعور بالرضا والفخر بعد مكافأته لإنجاز أمر ما، حيث يشكل عامل التعزيز الخارجي رابطًا قويًّا بين نظرية التعلم الاجتماعي لباندورا والنظريات المعرفية الأخرى.

ما هو التعلم بالنمذجة؟ 

النمذجة – Modelling هي عمليةٌ تعليميةٌ تتم من خلال نسخ سلوكيات الآخرين وملاحظتها، وغالبًا ما يمارس الأشخاص النمذجة عفويًّا، فالطفل مثلًا يستخدم النمذجة لتعلّم التقاط الملعقة وتناول الطعام. 

في التعليم على سبيل المثال، يستخدم المعلمون النمذجة كأسلوب تعليمي يحسّن مهارات التدريس ويوفّر الوقت لإيصال المعلومة، حيث يقوم المعلم بعرض “النماذج” للطالب من أجل إيصال الفكرة بأفضل صورة.

إن الأفراد الذين لوحِظوا من قِبل شخص ما يطلق عليهم “نماذج – Models” والمجتمع مليء بالنماذج التي تؤثر على سلوك الفرد، مثل الأب والأم داخل الأسرة، والشخصيات المشهورة على القنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي، والأصدقاء والمعلمون في المدرسة. 

كل تلك الشخصيات هي أمثلة على النماذج التي يقوم الفرد بتقليدها وملاحظتها، وبالتالي  تؤثر على سلوكه.

ما هي خطوات التعلم بالنمذجة؟

إن كفاءة التعلم بالنمذجة تكون من خلال الملاحظة المستمرة لسلوكيات الآخرين الاجتماعية، ثم نمذجة ما يفعلونه أو يقولونه، لكن باندورا حدد لنا خطوات نجاح التعلم بالنمذجة: 

خطوات التعلم بالنمذجة
  1. يجب على الفرد الانتباه، وذلك من خلال التركيز على ما يفعله النموذج.
  2. يجب الاحتفاظ بما تذكّره الفرد ولاحظه من النموذج.
  3. يجب أداء السلوك الذي شوهد وحُفِظ في الذاكرة وهذا ما يسمى إعادة الإنتاج.
  4. الدافعية، ينبغي أن يكون الفرد بكامل جهوزيته لنسخ سلوك النموذج، لكن الدافع لذلك يعتمد على عواقب فعل النموذج، فإذا عوقب الأخير سيزول الحافز، أما إذا تمت مكافأته وتعزيز سلوكه فسيتبلور الدافع، وهذا ما يسمى “التعزيز الخارجي غير المباشر”.

تُكتسَب الهوية الشخصية من خلال النموذج، وذلك عن طريق تبنّي معتقداته وقيمه وسلوكه، ويمكن تشبيه مصطلح “اكتساب الهوية الشخصية” بعقدة أوديب لفرويد، لكن الفرق أن عقدة أوديب تنطوي على اكتساب الطفل سلوكه من والده فقط، أما نظرية التعلم الاجتماعي فهي اكتساب الشخص البالغ أو الطفل سلوكياته من أي شخص أو نموذج آخر.

أمثلة للنمذجة في علم النفس

يتم استخدام النمذجة كأسلوب علمي نفسي في جميع جوانب الحياة ومع جميع الفئات العمرية، لكن النقاط الاجتماعية الأكثر شيوعًا هي:

أولًا: الأبوة 

مثلما يقلد الأطفال عادات الوالدين السيئة سيقلدون عاداتهم الجيدة، وهذا ما يجب على الوالدين استغلاله من أجل نمذجة السلوك الإيجابي، كالمطالعة وممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي والصدق مع الغير وغيرها.

ثانيًا: مكان العمل 

تسيطر النمذجة على مكان العمل بشكلٍ غير مقصود، حيث يمكن لأي موظف مهما كانت مرتبته أن يصمم مهمة كنموذجٍ تعريفي لشخص ما، وإذا كنت صاحب العمل أو مديره فيجب أن تكون نموذجًا واضحًا للسلوكيات الأخلاقية مثل الصدق المهني والتواصل الجيد.

ثالثًا: العلاقات 

يعتمد علاج الأزواج والشركاء جزئيًّا على النمذجة، حيث يستطع الأزواج رؤية الآخرين وهم يقاتلون في سبيل حل مشاكلهم وينمذجون ذلك بأنفسهم.

نظريات التعلم في علم النفس التربوي

بعد الكثير من الدراسات والأبحاث والنقاشات خرج العلماء بنظريات التعلم الخمس التالية:

نظريات التعلم في علم النفس التربوي

أولًا: النظرية السلوكية

واحدةٌ من أشهر نظريات التعلم في علم النفس، حيث تُعْنى النظرية بسلوكيات التحفيز والاستجابة التي يمكن ملاحظتها ودراستها بطريقةٍ ممنهجة، كما تعتمد النظرية السلوكية على نظامٍ إجرائي روتيني لنقل المعلومات إلى ذاكرة الفرد، أي أن كل شيء يمكن تعلّمه من خلال التلقين والتدريب بغضّ النظر عن صفات الفرد الشخصية.

ثانيًا: النظرية المعرفية

تعتمد النظرية المعرفية على: عملية التفكير الداخلية، والعوامل الخارجية مثل البيانات أو المعلومات.

تطوّرت هذه النظرية في خمسينيات القرن الماضي، وهي تختلف عن النظرية السلوكية وتبتعد عنها لأنها تركّز على دور العقل والقدرات الشخصية في عملية التعلم.

فبحسب المكتب الدولي للتربية: “إن التعلّم هو عملية اكتساب للمعرفة، ففي النظرية المعرفية يُعتبر الطالب ممتصًا للمعلومات ومعالِجًا لها، حيث يقوم بعمليات الإدراك والمعرفة ليخزّنها في الذاكرة”.

ثالثًا: النظرية البنائية

يبني المتعلم فهمه الجديد على خبراته السابقة، وهذا ما تشير إليه النظرية البنائيّة، فهي تركّز على أهمية التجارب الفردية في بناء المعارف.

رابعًا: النظرية الإنسانية

النظرية الإنسانية هي منهجيةٌ تركز على المتعلّم بحد ذاته وليس على الأسلوب أو الطريقة في إيصال الفكرة، وتؤكد النظرية أن الناس جيدون بطبعهم، لذا فهي تهدف إلى توفير بيئةٍ مناسبةٍ لتحقيق الذات، فبعد تلبية احتياجات المتعلم ستُعطى له الحرية في تحديد أهدافه مع مساعدة المعلم لتحقيقها.

خامسًا: النظرية التوصيلية

قد تكون النظرية التوصيلية هي الأكثر تطورًا ومحاكاةً للواقع الرقمي الحالي، حيث تشرح وسائل التعليم التي وفّرها الإنترنت من خلال متصفحات الويب والبريد الإلكتروني ومنتديات الدردشة الثقافية، وتشير النظرية إلى أن  الحصول على أفضل مصدر للمعلومة لا يقل أهمية عن المعلومة بحد ذاتها.

ما هي التربية الاجتماعية؟

التربية الاجتماعية هي مفهوم مرن متغير مع الزمن، فقد تجاوز مفهوم التعلم الفردي وخرج من دائرة الأبوين ليشمل المجتمع ككل، كما تقدّمت قواعد التربية والتعلم الاجتماعي في العديد من البلدان من خلال المعايير المجتمعية والثقافية التي تُظهرها، بالإضافة إلى المفاهيم والمواقف التربوية والأساليب التعليمية في العلاقة بين المجتمع وأفراده، مع العمل على تأمين الحماية الاجتماعية للأقليات والأفراد المهمشة.

تتعامل التربية الاجتماعية مع السلوك البشري والموارد البشرية والمؤسسات والعلاقات، والهدف الأساسي من الدراسات التربوية الاجتماعية هو مساعدة الشبّان على اتخاذ القرارات الصائبة، واختيار الطرق المنطقية والمستنيرة للعيش في عالمٍ مترابطٍ وديموقراطي، فنحن نعيش في مجتمع اتّسم بالتنوع، مجتمع يتطلب التعمق بالدراسات والتعلم الاجتماعي وفهمه من أجل تحقيق الأهداف.

الخاتمة

استطاعت نظريات التعلم الاجتماعي شرح العديد من الأفكار الاجتماعية المعقدة، مثل السلوك الأخلاقي ودور الجنسين في المجتمع، لكن في النهاية لا يمكن اعتبارها التفسير الوحيد لتصرفاتنا، حيث يحكم الفرد مجموعة من السلوكيات بما فيها الأفكار والمشاعر، والسيطرة المعرفية على سلوكنا موجودة، فالتعرض لتجربة عنف في الماضي لا تعني وجوب إعادة إنتاجها الآن.

ترغب بتطوير مهاراتك في التعليم؟ تابع دليل المدرب الإلكتروني للمزيد من النصائح!

أنشئ موقعك التعليمي الخاص وابدأ بيع دوراتك التدريبية أونلاين

ستجد معنا كل ما تحتاجه لتنشئ أكاديميتك التعليمية وتبدأ بيع دوراتك
وتقدم أفضل تجربة استخدام عربية لطلابك

14 يوم تجريبي، دون ادخال بيانات الدفع.

شارك المقال

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انضم إلى +5050 مشترك يقرؤون نشرة أسبوعية تتناول مواضيع ونقاشات رائجة حول اقتصاد المحتوى والمنتجات الرقمية وريادة الأعمال وتكنولوجيا التعليم.